لعل نظرة سريعة على تاريخ القانون، تتحفنا بنتيجة مؤداها وجود تيارين عميقين في النظام القانوني، الأول ما أطلق عليه "هوريو" النظام الإداري، والتيار الثاني هو الذي يتمسك بالشريعة العامة، أي بقطبية القانون المدني وأحكامه التي تعامل الإدارة على قدم المساواة مع الأفراد فالبلاد ذات النظام الإداري ــ وتشمل فرنسا ومن حذا حذوها في هذا المضمار ــ تمييز الإدارة بقواعد خاصة، وتمنحها سلطات واسعة وتخضعها لمحاكم خاصة تختلف عن المحاكم العادية التي يخضع لها الأفراد، والأمر على خلافه بالنسبة للنظام الأنجلوساكسونيه (إنجلترا وأمريكا وغيرهما من الدول التي أخذت طريقها القانوني)، فهذه النظم لا تمنح الإدارة تلك السلطات الواسعة، ولا تعترف لها بصورة عامة بالحق في اتخاذ قرارات تكون نافذة جبراً من تلقاء نفسها على الأفراد.
ولعل أهم هذه الامتيازات والسلطات الاستثنائية هي التنفيذ المباشر أو التنفيذ الجري الذي يعطي الإدارة الحق في أن تصدر بإرادتها المنفردة قرارات تكون نافذة في مواجهة الأفراد، وملزمة لهم رغماً عنهم، وباستخدام القوة المادية عند اللزوم.