يبحث الكتاب في علاقة الوطن بالإسلام ، والوطن العربي اختصه الله سبحانه وتعالى بأن يكون وطن العرب ووطن الإسلام ينطلق منه إلى العالم ولا راد لإرادته
هل صحيح أن مشكلة المسلمين مع الإسلام كانت منذ البداية أنه دبن إيديولوجيا بغير جغرافيا تهمه هوية الأرض أكثر مما تهمه الأرض
وهل صحيح القول الآخر: أكثر أعداء الفكرة الوطنية هم الإسلاميين
ويبدو أن الرأيين السابقين ليسا باليتيمين، وهكذا فقد استمعنا من يؤكد: أن الإسلام حزب، ليس له من هذه الوجهة دار محددة بالحدود الجغرافية، يذود ويدافع عنها، وإنما يملك مبادئ وأصولا يذب عنها، وكذلك لا يحمل على دار الحزب الذي يعرضه، ويناقضه، وإنما يحمل ويصول على المبادئ التي يتمسك بها.
أحقا أن هذا الدين الحنيف الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أحقا إنه ضد هذا الشعور الفطري الا وهو الوطنية.
وأبعد من ذلك، فقد قادني الاستغراب والذهول للبحث عن هذه الظاهرة، ولقرع الأبواب المختلفة، فإذا القضية أبعد من ذلك، وإذا ببعض النظار لا يزالون يصرون على تقسيم العالم إلى دار الإسلام ودار الكفر، بما يتفرع عن ذلك من نتائج أخصها ضرورة تخلي المسلم عن دار الكفر والهجرة إلى دار الإسلام.
هكذا توفر المبرر لدي كثيفاً في ثقله مبهظاً في حضوره، الأمر الذي حداني إلى فتح هذا الملف الفكري لتفكيك طبقاته، وتشريح جثته واستكشاف أبعاده وقاراته, إذا كان موقف الدكتور طه حسين كلفه مركزاً أدبياً هو الرجوع عن الرأي، وبالمقابل إذا كان موقف الشيخ على عبد الرازق كلفه منصبه في الأزهر، فإن موقف الدكتور نصر أبو زيد كان أكثر إبهاظاً وأثقالاً وآلاماً لسبب بسيط هو أنها تتناول جوهر آدميته وكرامته وإنسانيته، أي تمس الأنسنة بشكل عام، والأنسنة هي لب أي مشروع نهضوي لأمتنا إضافة إلى كونها العاهة العضال التي يتهمنا الغرب بها وتماهينا جوهرياً بمآسيها.
إن قضية الدكتور أبي زيد ليست مسألة عارضة أو حدثاً طارئاً أو شأناً فردياً، بل هو حدث ينشأ من أجله وعلى أرضه صراع الأجيال، ولهذا السبب يجب اعتباره إشكالية لأنها مجموعة مترابطة من الأمور تنتظر حلاً عاماً لها.
على هذه الأرضية الرصينة لم أكن محامياً منافحاً عن تلك الفكرة أو تلك، وإنما تبصرت وتقصيت روح الظاهرة وعالجت القضية بضمير القاضي يحدوني في ذلك إيماني بأن الخير العام لهذه الأمة ليس خيراً لهذه الإيديولوجية أو تلك، وإنما هو مذهب الأمة في كافة تشكلاتها وتضاريسها، ذلك المذهب الذي يستشف المبادئ الضمنية لحياة أمتنا وهو مذهب الوعي بمستقبلها وحاضرها ومصيرها.