كيف ينظر لاغتراب المرأة، وكيف ينظر لكثير من الظواهر مثل الختان والزواج العرفي والسياحي والمتعة والتسري وتعدد الزوجات، ومنع المرأة من العمل وغيرها من الظواهر النابعة من فكر ذكوري زائف وضبابي مؤداه أن المرأة ناقصة العقل، وكيف يمكن استبدال ذلك الوعي بوعي حي مطابق لروح الإسلام وروح العصر الذي نعيش فيه، لتستنشق المرأة أريج الحرية والكرامة الإنسانية والثقة بالنفس.
إن الوطن الحر القوي أساسه المواطن الحر القوي، وأن التنظيم المتوازن لعلاقة الفرد بالجماعة، أو جدلية الفرد والجماعة هي الفاعل الحضاري التاريخي لكل علوية للأمة، ولكل مجد وتقدم، مصداقاً لقوله تعالى: »من قتل نفساً بغير نفس، أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها، فكأنما أحيا الناس جميعاً. المائدة/32 إن الأنسنة -عقاب الجو- لا تستطيع أن تحلق في آفاق الغد المرتقب، إذا اعتمدت على جناح واحد هو الرجل، وبقي نصف المجتمع - المرأة مهمشاً مسفهاً محاصراً مطموساً . ويمكن القول إن هذا العقاب الجوي العربي مهيض مصدع منكسر الجناح، كثير العاهات والآفات لا سيما في الجانب المتعلق بالمرأة، للأسباب الآتية: 1 - تعرض الأسرة العربية لجاذبية حضارية خارجية قوية ومغرية تهدد بنيتها العضوية، وطبيعتها الاجتماعية ودعامتها الخلقية و البشرية، مع العلم أن هذه الأسرة الإسلامية هي الصخرة الصلبة على جبهة الصراع مع العدو، باعتبارها معقل الأصالة، ومدرسة القيم الأخلاقية، وقلعة المناعة الحضارية، ولا تزال تحمل المقومات والسمات الحضارية لأمتنا في أبعادها الأخلاقية والنفسية والأدبية، كل ذلك بفعل العقيدة التي أعطتها قداسة وشرعية وخلقية لا تتغير مع التحولات الحضارية والتطورات الزمنية. وتظل النساء في وطننا الحافظات الأمينات على التراث بفضل وجودهن الناشط في الحياة العائلية، إذ بدورهن التربوي يؤمن استمرارية مكنون مكين من الفضائل الفردية والاجتماعية، هكذا يصطدم الوجدان الجمعي بظاهرة البغاء، كما يتوجس حقيقة من مظاهر التحديث الخارجي الغازي، وليس الأمر تزمتاً، بقدر ما هو تدبير ينزع نحو توازن مجتمعي في المنظور الإسلامي. لهذه الأسباب فإن ضربات الغزو الثقافي ما فتئت تنهال على الأسرة العربية، ولا يزال العدو ينشب أظفاره، متخذاً الوسائل الآتية: أ – المظهر الثقافي: ويبدو في التشبه الشكلي بمظاهر المجتمع الغربي، وفي الحياة المنزلية والتظاهرات الثقافية والتعاملات العاطفية بين الجنسين في التخاطب والاختلاط المدرسي والمهني والديني، وفي تقدير المقاييس الجمالية في اللباس والمأكل والمشرب، وتأثيث المنزل، وأنواع التسلية، وفي الذوق الأدبي والفني. ب – المظهر الأخلاقي: ويتمثل في تغيير المفاهيم و المقاييس الأخلاقية، وتحررها من القيود العرفية والدينية، كما يتضح في العوارض الانحلالية كالمعاشرة الجنسية غير الشرعية والعهارة، والإعراض عن المسؤولية الزوجية، وانتشار عمليات التعقيم والإجهاض غير المبررة صحياً أو شرعياً، وارتفاع عدد الأطفال اللقطاء والفتيات البائرات والنساء المطلقات، وكثرة النشوز وانفلات الشبان من سلطة الوالدين، وانتشار الأمراض الجنسية المعدية والمضاعفات الناجمة عنها كالعقم، وغير ذلك. ج – المظهر القانوني: ومظهره سن تشريعات إباحية تتعامل مع التحولات الأخلاقية والسلوكية أكثر مما تتحكم فيها. د – المظهر العقدي الإيماني: وآيته التحول في الأصول العقدية، إما مباشرة بسبب الضعف الذي يطرأ على الضمير الديني، وإما عن طريق العوامل الحضارية الأخرى من أخلاقية وثقافية واقتصادية. 2 – وإذا كانت الآفات السابقة قد انسالت إلينا من الخارج، فهنالك ما هو أشد وأنكى، وهي الآفات الداخلية المنحدرة من ظلامات العصر الوسيط، وبواهظه وصخراته الجاسمة على وجدان أمتنا وعقلها وانطلاق إرادتها: - فالمرأة لا تزال في الكثير من العقول الهشة رمز الشؤم، ونحن نسمع رجلاً في إحدى الدول الإسلامية طلق زوجته زعماً وتخرصاً بأنها سبب إفلاسه مستنداً إلى حديث نبوي مآله، الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار، وهاهي الموسوعة الفقهية الكويتية تذكر ببعض الآراء المتضمنة أن الممثل الذي يطلق زوجته تمثيلا، يطلقها فعلاً. والسؤال المطروح هو: لماذا لم تقس الحالة السابقة، على من يتزوج بالتمثيل، فنعتبره قد تزوج فعلاً. كيف نقرن في حكم قيمي واحد الكلب والحمار والمرأة، استناداً إلى حديث ضعيف يقول بأن هؤلاء يقطعون الصلاة، وكيف لا تقطع الصلاة، المرأة مضجعة أمام المصلي، وتقطعها وهي مارة مع العلم أن عائشة »رضي الله عنها« كانت مضجعة، والرسول يصلي، ولم تقطع صلاته. هل إن وعينا الفقهي مطابق، عندما ننسى، أمهات مشاكلنا الراهنة لنتكلم على زواج الإنس من الجن، أو عن رجل لقضيبه فرعان، ثم أتى امرأة دبرها وقبلها، فهل يغتسل مرة واحدة أم مرتين؟؟… ثم ما حكم الطالبة التي تشرح رجلاً في مشرحه، ثم ماحكم فتاة ترتدي الحجاب، ومعها كلب في غرفة النوم، فهل تخلع الحجاب أمام الكلب إن كان أنثى، ولا تخلعه إن كان ذكراً. لا تزال بعض الأقطار العربية تحرم عمل المرأة، وبيع حبوب منع الحمل، وتجبر المرأة على الزواج… ولقد اعتدي على طالبة غير محجبة بحجة أنها مومس، ثم ما مغزى المظاهرة النسائية التي قامت في إحدى الدول العربية للسماح للمرأة بقيادة السيارة، مع العلم أنها كانت تمتطي الحصان، وغيره. والمرأة رمز الخطيئة والفتنة، وتحريرها مؤامرة، وهي تعامل كالمتاع، ومظهر ذلك بيت الطاعة، وتفويتها الاقتصادي والإرثي، مع العلم أن ثلثي الأسر المصرية تعولها النساء. وكثيرة هي ظواهر التفويت، مثل ظاهرة الختان، والزواج العرفي والسياحي، والمتعة والتسري، وتعدد الزوجات، يدعم كل ذلك وعي ذكوري مؤطر زائف وضبابي، مؤاده أن المرأة ناقصة العقل باعتبارها مخلوقة من ضلع الرجل، ثم القول بأن الرجل لا يعيبه شيء إلا جيبه. هذه الصورة المبسطة تؤكد لنا أن المرأة العربية مغتربة عن ذاتها، وثقافتها بالمعنى الذي حدده( فرويد) لشقاء الوعي الخارج عن رحمه، أجل إنها مغتربة عن رحمها العربي في الجاهلية، وأين نحن من قول هند بنت عتبة: أو تزني الحرة يا رسول الله، ثم أين نحن من الحكمة الجاهلية الشاهقة: تجوع الحرة، ولا تأكل بثدييها. وهذه المرأة منسلخة -بالمعنى القرآني للانسلاخ- عن رحمها الإسلامي الذي كرمها وفضلها على الملائكة، وعهد لها بالأمانة، واستخلفها وكيلة عن الله لعمران الأرض. وهكذا تتحد معالم الصورة على الشكل الآتي: يكثف العدو ضرباته على قلعة حصينة من قلاع أمتنا، ونحن مدعوون لخوض هذه المعركة بضراوة تثبيتاً لأنفسنا، وتوطيناً لهويتنا وتراثنا، وأداتنا في ذلك، سد الثغرات التي تتسلل منها الآفات والعاهات والعيوب الواردة من العدو، ثم استئصال الوعي الزائف اللاعقلي اللاإنساني المتسرب إلينا من ظلامات العصر الوسيط وانكفاءاته ونكوصه، واستبدال ذلك بوعي حي مطابق لروح العصر ومنطقه وطبيعته، بحيث تستنشق المرأة العربية من هذا الوعي أريج الحرية والكرامة الإنسانية والثقة بالنفس مدعمة برجاحة العقل وجلال الحياء ومهابة العفة، يرفد ويزين كل ذلك حقوق الفكر والحريات العامة التي وهبها الله والتي هي جزء من الكرامة الإنسانية. إن المرأة - وبسبب الشرط البيولوجي- هي التي تهب الحياة وتصونها، ومع ذلك فقد تحكمت بها إستراتيجيات الرجال من القوة والسلطة والثروة والعشيرة. والسؤال المطروح هو: كم عدد النساء اللواتي استطعن في مجتمعات العالم الثالث -كما في المجتمعات الغربية- أن يتوصلن إلى السيطرة على الأصل البيولوجي والأنتربولوجي والتاريخي والاجتماعي والثقافي لكل شرط إنساني من أجل قيادة معركة التحرير على أصعدتها الحقيقية وضمن منظور ترقية الشخص البشري. وحقيقية الأمر أن الإسلام يحتضن من المخزون الروحي ما يتيح -وفي أحلك الظروف- انبثاق المرأة المسلمة، ومن ثم فمهمة الحضارة العربية الإسلامية صياغة الشرط الأنثوي وجدانياً وعقلياً وروحياً كي تقوم بدورها كأم بما يتفق مع الفلسفة الحديثة للحياة أي مع قيم العمل وقيم العقل والروح، وكمساهمة في طول الحياة وعرضها. إن بلورة هذه الصورة المزودة بقوة الإيمان، المسلحة برجاحة العقل، هذه المهمة ثقيلة في الميزان، وتحتاج إلى ورشة عمل فكرية يتعاون بها عالم النفس مع عالم الاجتماع مع الاقتصادي مع رجل الدين والخلاق، وغير ذلك من العلماء والمناهج، وها نحن سندلو بدلونا في هذا الموضوع الهام والشاق رائدنا في ذلك الوفاء للأم التي حملتنا وهناً على وهن، وللشقيقة التي قاسمتنا حلو الحياة ومرها، وللمدرسة التي وضعت اللبنات الأولى في صرح عقلنا وأخلاقنا.