إن الفكر السياسي الإسلامي جزء لا يتجزأ من تراثنا وشخصيتنا الجمعية التاريخية، بل من ضميرنا وروحنا العامة، والنتيجة المترتبة على ذلك هي ضرورة حفاظنا على مجمل منظومتنا الثقافية، والحرص على اتساقها وتوازنها وصوتها من التفتت والاختراق والاغتراب والهيمنة والاستلاب. ومن جهة ثانية، فالتشريع والفكر السياسي العربيين الإسلاميين يتميزان بخصائص ذاتية ماهوية هامة ومتعددة، منها على سبيل المثال تحقيقهما التوازن بين المادة والروح وقيامهما على مبدأ العدل والإحسان، وتعزيزهما للكرامة الإنسانية ونشدانهما التكافل والتضامن الإنسانيين وإيمانهما بالاستواء في الاعتبار الإنساني معانقة للتسامح ونبذاً للعنصرية والاستكبار على صعيد العلاقات الدولية والأمنية، وغير ذلك من السمات التي سنعرض لها بالتفصيل. ستركز هذه الدراسة »إضافة إلى النص المقدس قرآناً وسنة« على التجربة الراشدية بسبب شفافيتها ونقائها وارتشافها من الأصول الإلهية والتجربة النبوية التأسيسية. بالطبع نقصد هنا بالوعي تلك القراءة العامة التي تربط الموضوع مع المحافظة على آلية عمله وخصائصه الفكرية الذاتية، بعصرنا وبمعركة حياتنا وتقدمنا، فهي قراءة كلية عامة تحدد المنحى العام للدراسة وموقعيتها العامة في حياتنا والسمة الذي تتوجه إليه، والمبتغى الذي تنشده. وفضلاً عن ذلك فإنني أزف هذه الدراسة إلى الأمة الإسلامية المستضعفة التي تستهدفها ضربات الامبريالية والصهيونية للقضاء على تراثها وشخصيتها.