لقد نجح أعداء الإسلام، في شق صف اللأمة وجعلوا منها شيعاً وأحزاباً، ونجحوا في أن يجعلوا من أهل السنة والجماعة وإخوتهم الشيعة على طرفي نقيض، ولكن أليس أهل السنة والشيعة أصحاب دين واحد هو الإسلام ، أليس لهم قبلة واحدة يصلون إليها كل يوم خمس مرات ، يستعرض الكتاب نشأة الخلافات السياسية التي أدت لنشوء الفرق والمذاهب في الإسلام وعلى رأسها الشيعة.

أفرغ الإسلام المسلمين وطلائعهم العرب في إرادة واحدة، وسكبهم سكباً واحداً محدداً، هو صيغة الإيمان، ومن ثم إذا جاز لنا أن نطلق على الدين المسيحي دين المحبة أمكننا في الآن نفسه أن نسمي الإسلام دين التوحيد. ولعل الآيات التي تدعو المسلمين إلى وحدة الصف لا تحصى، وبالمقابل فقد نعى القرآن الكريم كل فرقة وحزازة وذهاب ريح، قال تعالى: ""من الذين فرقوا دينهم شيعاً وأحزاباً كل حزب بما لديه فرحون"". لكن الرياح أخذت تجري بما لا تشتهي العقول والأنفس والسنن، ورأينا التشقق والتذرر والانقسام إلى شيع ينتشر ويطفح على جسد الأمة. أجل كان المسلمون على عهد رسول الله أهل صفاء وقناعة وألفة واجتماع ومودة ورهبانية وإذا بالأمة بعد وفاة رسول الله تختلف وتتشتت ويذهب ألفها، وإذا بالنظام يموج ويموج، وإذا بأهل الشرك يكيدون في أهل الإسلام والأخذ بهم والنيل منهم. لقد تشتت كلمة المسلمين، وتمزقت صفوفهم، وتصوحت إلفتهم فتباينوا في الأهواء، واختلفوا في الآراء، وسفكوا الدماء، وأكفر بعضهم بعضاً، وصاروا شيعاً وأحزاباً، كل حزب بما لديه فرحون. ولا شك أن أحلك برهة في تاريخ الفكر السياسي والأيديولوجي الإسلامي هو مجزرة كربلاء وما تولد عنها من أحقاد وإحن ومنعطفات سياسية حادة في الاجتماع السياسي، وهذه المجزرة يجب أن تكون ثورة، وعلى الوجدان العربي الإسلامي أن يمنطقها ويجعل منها وعظه لوعيه وخبرته وسيرورته وتقدمه. وبالطبع فإذا حدث هناك فرقة وتحيز وانقسام، فالتوحد والاستيعاب ما زالت أسسه قائمة ومبادئه راسخة. هكذا برز مصطلح أهل القبلة، وهو التعبير الذي أطلق على المسلم بشكل عام، أما مصطلح مسلم، فهذا التعبير الذي أطلق مقابل مصطلح مؤمن. ولقد ظهر إلى جانب المصطلح السابق مصطلح آخر هو مصطلح "أهل الصلاة" والذي يهمنا في هذين المصطلحين هو تاريخ نشوئهما، أي متى تبلور المصطلحان، وكيف تم هذا التبلور، وهل حدث ذلك بشكل تلقائي نتيجة تطور طبيعي وامتداد عفوي، أم مازج ذلك التطور الطبيعي شيء من العنف والقسر. وجدير بالملاحظة أن ما حدث في ماضي أمتنا وبشأن الخلاف السني والشيعي لا يهمنا كثيراً إلا بقدر ما يهم راكب السيارة في الالتفات إلى ما وراءه خشية التدهور والانكباب. ففي الماضي لم يكن النمو الاجتماعي "نمو الأمة طبيعياً" وهكذا كان الفاعل السياسي بصورة عامة محكوماً بهذه الحدثية، وليس بالمنطق الطبيعي ولا بالحيوية العامة للأمة. ماذا يقول لنا هذا المنطق الطبيعي التلقائي العفوي، كما يرسمه لنا فقه الأمة على ضوء المحض لفقه القانون ونظرياته الخالصة التي كشف عنها هذا القانون.