لقد أثر عصر التنوير الأوروبي أشد التأثير على مفكرينا، سيما أولئك الذين عاشوا هنالك ودرسوا في جامعاتها، وقد قال محمد عبده إثر عودته من باريس: رأيت في الغرب إسلاماً ولم أرى مسلمين، أما عندنا فهنا مسلمون بلا إسلام، وبعدها انهمك في محاولة للإصلاح الديني عقلانية المعتزلة للوصول إلى إسلام عصري.

تمت تسمية الكتاب بعنوان الإصلاح الديني ودوره في التجديد الحضاري، وذلك انطلاقا من التسميات العدة التي شرعت بالظهور على المسرح الثقافي العربي لاسيما بعد واقعة الاتصال بالمدنية الغربية، وما أثرته من توتر ثقافي وعقلي أخذ ينمو باطراد وباستمرار بحثاً عن الذات وتجديداً للهوية ونشداناً للفلاح والتقدم.
والواقع أن عالمنا العربي الحديث تجلى في وجوه زمنية ومكانية متعددة ومتنوعة وسمت نمط وطبيعة المشكلات والموضوعات التي طرحت في كل مكان وزمان وقد وجه هذه الإشكاليات والتجليات في مفاهيم عبر عنها بأجهزة مفاهيمية عدة مثل تراث – تجديد – قديم- حديث- أصالة – ابتكار— تقليد – تحديث – يقظة – نهضة - تقدم - بعث- انبعاث - تحسين – فوز – صلاح فلاح – ترقي... الخ.
ولعل كلمة تقدم: من الأجهزة المفاهيمية الهامة التي استحوذت على كثير من الاهتمام لاسيما في الحقل السياسي، وقد طفقت العديد من الأنظمة السياسية تسبغ على نفسها هذا الوصف مقابل وصف "الرجعية" الذي أطلقته على الأنظمة المناوئة لها.
هذا وهناك عدة مسوغات دعت إلى إطلاق مفهوم "التقدم"من ذلك:
1- هذه الفكرة تعبر في جوهرها عن مفهوم اجتماعي تاريخي ذات صلة بالتطور الاجتماعي الثقافي.
2- ترتبط الفكرة المذكورة ارتباطاً وثيقاً بمفهومي التطور والتغير، فالتقدم مظهر جزئي من مظاهر التغير، وذلك حين يقبض الوعي على واقعة من الوقائع مدركاً المعنى الخاص الذي يعلق عليه أهمية إنسانية معينة.
3- إن مفهومي التطور والتغير يبدوان كمفهومين علميين موضوعيين، بينما مفهوم التقدم يحمل مفهوماً ذاتياً نسبياً.
4- ظهور هذا المفهوم في الثقافات القديمة كمفهوم ذي طابع ميتافيزيقي أو انفعالي يعكس الرجاء أو الأمل في مرحلة مرغوب فيها، أما العصور الحديثة فقد جعلت منه مفهوماً واقعياً، مدعية لنفسها القدرة على تبريره مؤمنة بواقعيته على الأرض وفي التاريخ وحركة الإنسان.
5- لقد ولد هذا الطابع الأخلاقي المعياري لمفهوم التقدم عدة مفاهيم من الناحية الاجتماعية والأخلاقية والدينية والاقتصادية.
6-الظروف السياسية هي التي حدت إلى استعمال كلمة نهضة ، فالعرب كانوا بحاجة إلى النهوض لمقاومة الاحتلال الأوربي، وهذا النهوض بحاجة إلى استجماع القوى والاستعداد والحركة للإنطلاق وتفجير الطاقات القائمة والمتوفرة والموجودة والتي بحاجة إلى إظهار بعد سبات، فنحن هنا أمام طاقات موجودة، لكنها غافلة وكل ما تحتاجه هو التحريك بعد رقاد طال أمده وهناك كتاب على غاية كبيرة من الأهمية ظهر عام 946، وهو الموسوم بعنوان أسباب النهضة العربية في القرن التاسع عشر لأنس نصولي، وتبرز أهمية هذا الكتاب بأنه الأول في موضوعه بالإضافة إلى أن معالجته لمادته اتسمت بالأكاديمية والتوثيق العلمي الرصين.